رسالة مفتوحة من منعم الجاك الى صلاح قوش: حول إعتقالي وتعذيبي أواخر نوفمبر
19 ديسمبر 2008
السيد صلاح عبدالله ( قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني
الموضوع: حول إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي أواخر نوفمبر 2008
أكتب لك هذه الرسالة المفتوحة، وقد جاءت متأخرة في توقيتها بسبب العلل التي أصابتني نتيجة تعذيبي من قبل من أشرف على اعتقالي واستجوابي، ومن وجههم في جهاز الأمن والمخابرات وحزبكم. هي رسالة مفتوحة وموجهة إليك شخصيا، و لكنها أيضا موجهة عبرك إلى زملائك في الجهاز، و إلى حزبكم الحاكم، المؤتمر الوطني. وهي وإن حكت تجربتي، إلا أنها تعبر عن المئات بل والآلاف ممن راعهم حادث اعتقالي وتعذيبي. فقد تم اعتقالنا، أنا وزملائي عثمان حميدة وأمير سليمان، بدعوى تعاوننا مع المحكمة الجنائية الدولية في قضيتها بدارفور، منتصف نهار الاثنين 24 نوفمبر 2008. فالآن فقط، ومنذ ومنذ ذلك الحين استجمع بعض قوتي، بتماثلي التدريجي للشفاء، لأمسك بالقلم، وأخاطبكم، وأنا أكابد آثارا وذكريات ربما لن تمكنني من أن أعود كما كنت مرة أخرى. لكن عزائي الأخير أن ما تعرضت له من قبل زبانيتكم بجهاز الأمن يتواضع ملايين المرات إزاء ما تعرض له الملايين من أهلي في جنوب وطني إبان هوسكم الأيدولوجي ونيران حروبكم وتعذيبكم آنذاك، أو ما يتعرض له أيضا الآن الملايين من أهلي بدارفور، تلكم الأرض التي قمتم بفض بكارتها قسرا بعد فقدان بوصلتكم، أو حتي ما تعرض له ألآلاف من المحبيين(ات) لهذا الوطن والعاملين لخيره وتقدمه في بيوت أشباحكم خلال حقبة التسعينات. أقول، يتواضع ما تعرضت له إزاء نكبة هذا الوطن الطيب، بنسائه ورجاله الطيبين(ات) منذ أن خيم عليه ليلكم الحالك الدامي في 30 يونيو 89.
أكتب لك هذه الرسالة السيد صلاح قوش وأنا قسراً خارج حدود قهر وبطش مؤسساتكم الحاكمة. مرة أخرى وبعد مضي أكثر من عقد من الزمن أضطر لمغادرة بلادي ارهاباً. المرة الأولي في أعقاب ما قام به من يكون حتى الآن زملاء لك في جهاز الأمن باغتيال الشهيد النابه المدافع عن حقوق زملائه الطلاب والدراس للحقوق حينها بجامعة الخرطوم، صديقي وخليفتي في قيادة رابطة طلاب مدني، الشهيد محمد عبالسلام. حين أُغتيل محمد عبدالسلام آنذاك، قبل عشر أعوام، قام زميلك الآن في الوزارة، و مدير جامعة الخرطوم حينها، وقائد هوسها المزعوم جهادا، قام الدكتور الزبير بشير طه بتحرير وتوقيع شهادة فصلي النهائي من السنة الخامسة، ومن ثم توالت ملاحقات رجالك حتي اضطررت لدق أبواب المنافي! هل تصدق أكثر من عشر سنوات مارس جهاز أمنكم التعذيب والقتل، وانتهك حقوقا لا تسقط بالتقادم: غيّب الشهيد محمد عبدالسلام، وترك أحزاناً وآلاماً. ومرة أخرى يمارس جهازكم ضدي ويدفعني خارج حدود وطني؟ ولكن هيهات! كان حكيما مولانا أبيل ألير في مقولته " التمادي في نقض المواثيق"، فأي وثيقة تحترمون وتُثقون عليها في سياقي هذا؟ فباعتقالي وتعذيبي تعلنون جهراً بأن نظاكم وحزبكم الحاكم لم ولن يتغير، فهو هو في بطشه وتعذيبه وارهابه- وإن إدعيتم التعاون في محاربة الأرهاب، وهذا شأن أخر سأعود إليه في سياق آخر- فما أشبه نظامكم بثعبان الكوبرا في تغيير جلده وبث سمه!
ربما تتساءل متعجبا متعجرفا عما أريد قوله هنا؟ وعن دوافع ومرامي رسالتي هذه؟ أقول لك سيادة الفريق، كتابتي هذه تدفعها وتحركها نزوعات شتى! منها أنني وأننا لن ننسى، كما يمكنك اعتبارها شكوى مني، إليك وعليك، وهي أيضا محاولة لإشراك من عسى يطلع على رسالتي هذه من أبناء شعبنا على تجربتي، وإسماعهم آلام التعذيب والإرهاب الذي تعرضت له على أيدي زبانيتك الملطخة بالعار والدماء، وإيصالهم الرسالة التي تريدون إرسالها لهم عبري، والمتمثلة في إرهاب القوى الحية بالبلاد، وخصوصا منظمات المجتمع المدني، وقوى التنوير والديمقراطية. ولكن، مرة أخرى، هيهات!
عندما فكرت في مخاطبتكم، تذكرت رسالة مشابهة في بداية عهدكم الغيهب، قبل نحو ثمانية عشر عاما، من قامة لها حضور ومعرفة واحترام، وهو البروفيسر فاروق محمد ابراهيم شاكياً من تعذيبه وهو في تلك المكانة العلمية العالية، وتحت اشراف زميله في الجامعة الدكتور نافع على نافع، الشخص الذي تجلس على مقعده الأن بجهاز الأمن وزميلك في الوزارة. أوليس مستغرباً لديك أن شخصين وحدثين تفصل بينها ثمانية عشر عاماً من التعذيب والتنكيل المستمر، وإن اختلفت القضايا، يسطران ذات الرسالة؟ ثمة شي غير مستقيم البتة سيد صلاح! نهركم لاتجري مياهه، رغم إتفاقاتكم، فهو بركة آسنة تتغير فقط أدوار وأوجه طحالبها! لذا تأتي رسالتي المفتوحة هذه محاولة تحريك ركود تلك البركة التي ظلت و لعقدين من الزمان تهتاج تحت مياهها أعمال المؤامرات والتعذيب والتصفيات. كتابتي لك هي لعرض القضايا وموضوعات التحقيق معي على الملاء، بما فيها بعض من ملامح ومشاهد تعذيبي، فهي لا تخصني وحدي،حتى أسكت عليها رهبة أو رغبة، فهنالك الآلاف كما تدري. هي رسالة أعتبرها فرصة نادرة أيضاً للتعبير عن شكري وتقديري ومحبتي اللامحدودة لأسرتيّ الصغيرة والكبيرة، لأصدقائي وصديقاتي، زملائي وزميلاتي، و آخرون غيرهم بالمئات لم أتشرف بمعرفتهم أو يعرفونني في شخصي، و أفراد كُثر فقدت التواصل معهم(ن) لسنوات ، بالاضافة لمؤسسات ومنظمات وأحزاب وأفراد من مختلف أنحاء العالم. ففي الوقت الذي كان فيه جلادوك منهمكين في هتك كرامتي وانسانيتي و وجسدي وخصوصيتي، بما فيها الحجز على عربتي لعدد من الأيام والإستيلاء على على كمبيوتري الشخصي، في الوقت الذي جلادوك منهمكين في تعذيبنا كان الكثير من هؤلاء المتضامنيين معي وزملائي عثمان وأمير، كانوا يسكبون الدمع ويعبرون عن الألم مثلما كانوا يسودّون الورق مطالبة باطلاق سراحي وزملائي، في مظاهرة إنسانية رائعة تبعث على التفاؤل والثقة في البشر. فقد ظل هم هؤلاء حتي بعد خروجي من أوكار تعذيبكم يطببون جسدي ويوفرون الحماية والماء والطمأنينة لي حتي مقامي الحالي. لا ينتظرون شكراً مني بالطبع، لكن دعني أقول ألا يستحق هؤلاء الشرفاء رسالة مثل هذه تعلي وتقدر من إنسانيتهم مثلما تبرز من حيوانيتكم؟ رسالة تهدهد على قلوبهم(ن) وعقولهم(ن) وضمائرهم(ن) الصافية الصاحية في مواجهة كل ما هو ضد الكرامة والعدالة والقانون. رجالك سيدي مدير جهاز الأمن انتهكوا كرامتي وجسدي، مثلما أوغلوا في تضييع العدالة والقانون الضائعيين منذ قدومكم في 89. لذا، تجدني أُسطر هذه الرسالة لأطلع الرأي العام على بعض ملابسات اعتقالاتي وتعذيبي... فكما ذكرت هذا حقٌ وواجبٌ على.
أسمح لي سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش) أن أسجل وأعكس فيما تبقى من رسالتي لك بعض من الملاحظات والدروس التي خرجت بها من وكر التعذيب، فضلا عن قناعاتي في القضايا التي حُقق فيها معي، علها تفيد وتنور وتعظ، وأوجزها في نقطتين وخاتمة لهذه الرسالة:
أولا: حول إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي: دعني أستهل هذا الجزء سيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات بمقارنة تثقيفية تعليمية بين ممارسات جندك في اعتقالي وتعذيبي وما تعمل به المحكمة الجنائية الدولية، التي زعمتم خلال التحقيق أننا نتعاون معها. يقول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما) في مادته 55 حول حقوق المتهمين (أ) "لا يجوز إجبار الشخص على تجريم نفسه أو الأعتراف بأنه مذنب، كما (ب) لا يجوز إخضاع الشخص لأي شكل من أشكال القسر أو الإكراه أو التهديد، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب أو لأي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة". لا أحتاج للقول أن ما قام به جندك خلال إعتقالي وتعذيبي والتحقيق معي يناقض كل مفردة وحرف في هذه المادة من نظام روما، والذي قصدت بالطبع الإتيان به. والآن أتمني أن أكون قد طمأنت نظامك الحاكم والمتهمين وأشباه المتهمين فيه بأن التعاون مع محكمة الجزاء الدولية سيحفظ لهم كرامتهم الشخصية وحرمة جسدهم، ولن يطالكم مثقال ذرة مما طالني علة أيديكم من إرهاب وتعذيب وسوء معاملة. فعن أي سيادة وكرامة وشرف تتحدثون؟ هل تعلم، أو بالأخرى هل شاهدت صور تعذيبي؟ إن ضابطك المسؤول عن تعذيبي سألني ساخراً مستهزئاً، ومتوعداً في الوقت نفسه، عن الدماء بوجهي وأرجلي وقميصي ويدي اليسري التي لم أكن أشعر بها فقط أرى ضخامة تورمه؟ و أجاب على تساؤله قائلاً أن أثار الضرب على جسدي بسبب سُكري ومشاجرتي مع مخمورين آخريين! وهو الذي كان يوجه أوامره لجنده الأربع في تلك الغرفة الضيقة، بالطابق الثالث، محدداً مناطق جسدي للتعذيب ووسيلة ضربهم لي، وسكبه للماء على رأسي، بل حتي ركله لوجهي بحذائه وتوجيه سيجارته نحو عيني مهددا بثقبها. ضابطك هذا، اثناء توجيهاته بتعذيبي وإرهابي بعلاقتي بالمحكمة الجنائية الدولية، قد أكد لي من أنه ليس هناك من قاع لا يمكن أن تصلون إليه في الانحطاط، حينما أمر جنده باغتصابي. ليرد عليه أحدهم بلغة وقحة تصفني بأنني ( لوطي) و أن ممارسة الجنس معه ستسعد!. فبالله أخبرني هل تجنيت عليكم إذ وصفتكم بالانحطاط؟. كنتم تحاولون نزع إعتراف مني بجرائم لا توجد إلا في أوهامكم المرتبكة وإستخباراتكم معطوبة الخيال والمهارة والتحليل.
لكن دعني الأن سيادة المدير العام لجهاز الأمن من وصف ملابسات إعتقالي ، ودعني أنتقل وأركز على لأمر آخر أراه أكثر أهمية. فملابسات إعتقالي وتعذيبي فتحت ذهني لملاحظتين كنت قد سمعت إشاعات حولهما قبل زيارتي الحالية لدار شركم. الأولى أن عناصركم الأمنية المسؤولة عن عمليات التعذيب تعاني من إنفصام الشخصية. فالشخص الذي أفرط في تعذيبي والبطش بي تحول في ثوانٍ إلى شخص آخر يقدم لي الماء، ويسألني إن كنت مرتاحاً في جلستي، بل يمضي أكثر من ذلك فيعتذر لي، مبديا تأسفه عما حاق بي من ضرب. فأنا لا أفهم استخدام "معليش"، ذلك الاختراع السوداني، في ذلك السياق، وفي ذلك الوكر. هل تعلم أن أحد جندك طلب من زملائي في المعتقل توصيل تحياته واعتذاره لي، وأنه ينوي وأسرته معاودتي للزيارة والكفارة والاطمئنان على صحتي؟! أي جنون وفقدان إتزان هذا الذي تديرون به هذه البلاد المنكوبة؟ فطيرة بالطبع هذه الوسيلة الرسالة أو الصورة العبثية التي تودون إيصالها. أما ملاحظتي الثانية والمدعومة بإشاعة قوية بالمدينة، وأرجو تصحيحها سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش) هي أن الإثنية والعرقية أصبحت من مرجعيات الإنتماء لجهاز الأمن والمخابرات والإرتقاء فيه. أذكر خلال الهجوم على أم درمان في العاشر من مايو الماضي أن عملت في هيئة وطنية لحماية المتأثرين(ات) بتلك الأحداث من أبناء وبنات دارفور، خاصة أن أذرعكم الأمنية التي جُن جُنونها كانت تبطش بكل من يحمل شبهة السحنة الدارفورية الأفريقية. راعتني آثار التعذيب فيهم و عندما أتذكرها الآن تتضاءل عشرات المرات آثار التعذيب بجسدي، الحامل لشبهة السحنة الشمالية العربية، مع ظني أن الموجه والمشرف على التعذيب واحد، ومع تشابه الاتهامات ضدنا: "الهجوم على عاصمة البلاد" في الحالة الأولى، و"تقديم معلومات ضد سيادة البلاد" في حالتنا، وفي ظل قاسم مشترك هو دارفور! ألهذه الدرجة أصبحت دارفور بعباً لكم؟ أتذكر هذه الملاحظة سيادة الفريق مشفوعة بشبهة العرقية- العنصرية في أجهزتكم الأمنية، فعملية إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي شارك فيها نحو سبعة عناصر من جهازكم، إثنان منهم كان واضحاً توليهما الإشراف والتوجيه وإصدار الأوامر والتحقيق الشفاهي. هذان من أصحاب الياقات البيضاء كما نصنفهم في العلوم الاجتماعية، وكليهما يحمل سحنة أبناء الشمالية. أما بقية تلك المجموعة، أي الجنود الخمسة، والذين إنحصرت مهامهم في تنفيذ أوامر الضرب والتعذيب والأرهاب، فتبدو عليهم الملامح الأفريقية، أي أنهم على الأرجح ليسو من الشمالية. عذراً سيادة الفريق مدير جهاز الأمن، الملاحظة والتحليل الثقافي هما تخصصي العلمي في الأنثروبولوجيا، وكان موضوع سخرية لجندك هذا التخصص بالمناسبة لجهلهم به حسب تقديري. لذلك يأتي تفصيلي في هذه الجزئية، والتي قد تصلح موضوع لبحث شيق حول ما يمكن تسميته السياسات العرقية للتعذيب في السودان The ‘Race’ilisation of Politics of Torture in Sudan!
ثانيا: حول المحكمة الجنائية الدولية: أشكرك سيادك، الفريق صلاح عبدالله (قوش)، لصبرك في قراءة هذه الرسالة المطولة. ولكني أردتها هكذا لما في ثناياها من تفاصيل ومفاصل ذات أهمية، أظنها، للكثيرين ممن يطلعون عليها الآن معك، فضلا لما أردت التشديد عليه من قضايا أوردتها هنا ما كانت لترى حظها من النور لولا ملابسات اعتقالي واستجوابي وتعذيبي بصحبة زملاء مهنتي أمير سليمان وعثمان حميدة. لن أستطرد في نقطتي الثانية، قبل خاتمة رسالتي هذه، حول تفاصيل تحقيقكم معي حول مزاعم علاقتي بالمحكمة الجنائية الدولية وتعاوني معها في تزويدها بوثائق ومعلومات وطلبكم مني تحت العذيب بتقديم هذه المعلومات. لن أستطرد في هذه الأوهام كما قلت، بما فيها اتهامات العمالة والجاسوسية والخيانة، والتي ظل جندك في جهاز الأمن يرموني بها تحت السب والضرب. فقد كانت كل أساليب إستجوابهم دون مستوى القضية موضوع التحقيق، واسمح لي أن أنعت ذلك الاستجواب بالغباء، و تلك الأسئلة بالركيكة. أسئلة من لا يعرف عما يسأل عنه، وجهل فاضح لكنه يملك سلاحا. و أعجب ما فيه ذلكم الضابط المتنطع، و المتدثر بعباءة المفكر. دعني أعطيك جرعة من فكره الثاقب: " أن ما يحدث في دارفور هو جزء من المؤامرة الصهيونية ضدنا... وبرتكولات حكماء صهيون تؤكد ذلك". معقولة لكن؟ مئات الآلاف من الضحايا والآف النساء المغتصبات، والمذنبون هم الصهاينة، وشماعة المؤامرة الخارجية!. أما الآخرون، فقد كان دليلهم لتثبيت تهمة عمالتي للغرب ثلاثمائة دولار وجدوها بمفحظتي. فيا ترى كم من ملايين الدولارات تملكون؟ ولماذا لا تثبت عمالتكم للغرب. آي بؤس هذا! لقد اتضح لي بما لا يقبل الشك أن المحكمة الجنائية تهز أركان نظامكم هزا، وتمزقكم شر ممزق. وأنتم لا تدرون أتتعاونون أم تواجهون. سأستغل هذه السانحة سيادة الفريق مرة أخرى لجهد التثقيف ورفع الوعي والتحليل لقضايا حقوق الإنسان و التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية، فهذه مهنتي قبل وأثناء وبعد اعتقالي، وسأستمر فيها ما رغبت في الدفاع عن حقوق الإنسان. وأشكرك في هذا السياق حيث أتوقع قُراء كثر لهذه الرسالة، فقد سبق أن كتبت كثيراً حول هذه المحكمة، و حول حقوق الإنسان، و حول دارفور، و معظم هذه الكتابات لم تجد حظها من النشر بسبب جندك الآخرين في قسم الرقابة على الصحف ومحاربة حرية التعبير.
أستغرب في البدء إرتباك نظامكم في قضيةٍ واضحةٍ كالشمس في رابعة النهار كما يقولون. إرتباككم أصبح بينا بالنسبة لي بعد ملابسات إعتقالي. أنت أكثر من يعلم بأن المحاسبة والعدالة هي بمثابة القلب لإعادة ضخ الحياة في إقليم دارفور، لكن سياسة البحث عن مبادرات الغاية منها كسب الوقت لن تأتيكم إلا بخسران مبين، وذلك عندما يصل "الكضاب لخشم الباب". حقيقة أستغرب فوضى تعاملكم مع قضية المحاسبة والعدالة هذه. فمنذ 2004 كان واضحاً لكم في المؤتمر الوطني مركزية قضية المحاسبة، فبعثتم بلجنة وطنية لتقصي الحقائق لدارفور، وشكلتم محاكم خاصة وعينتم مدعي عام خاص بدارفور أكثر من مرة، ولكن في كل الحالات لم يكن جهدكم مخلصا، ولعلكم تظنون أن بإمكانكم خداع كل الناس كل الوقت. إن ارتباككم بيّنٌ ومفضوح، فحكومتكم لم تنكر أن جرائم حدثت في دارفور، ولكنها تغالط في عدد الموتى بصورة تفتقر لللياقة واللباقة والحساسية الإنسانية والسياسية. زملائك، بمن فيهم رأس الدولة، إعترفتم بعشرة آلاف من الضحايا بدارفور. فهل تعلمون أن عدد القتلى الذين انعقدت من أجلهم محاكم جرائم الحرب في البوسنة لا يصلون هذا الرقم. آي منطق خارج السياق خارج الحساسية لا يعي مفهوم ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية في القانون الدولي الأنساني وقانون حقوق الأنسان! أما الدليل الآخر على ارتباككم، فهو تعاونكم مع البعثة الأممية لتقصي الحقائق في 2004، والتي سعدتم سعادة مكتومة حينما برأتكم من جريمة التطهير العرقي. ثم موقفكم المرتبك من القرار 1593 الخاص باحالة الأوضاع بدارفور للمحكمة الجنائية الدولية، ثم تعاونكم بعدها مع ذات محكمة الجزاء الدولية في 2005 بمقابلتها وتسليمها وثائق، بل والسماح لها باستجواب بعض مسؤوليكم. حقيقة الأمر سيادة الفريق صلاح عبدالله (قوش) أن تعاونكم أكبر من ذلك، بل أكبر من تعذيب وإتهام مواطنين ثلاثة عزل بإرهابهم ومحاولة إرهاب الملايين من خلالهم، فقد كنتم وإلي وقت قريب جزءاً من هذه المحكمة الدولية بتوقيعكم على نظامها الأساسي في 8 سبتمبر 2000، وبإبرامكم إتفاقيات تعاون دولية لإنفاذ قراراتها، بل ومشاركتكم في اجتماعات الجمعية العمومية للدول الأعضاء، كمراقبين، حتى عام 2006. سيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، إن الموقف من محكمة الجزاء الدولي يجب أن يكون متسقاً، فهي مبادئ ونظام وآليات أنجزتها البشرية لخيرها، وللحد من جرائم تقشعر لها القلوب والأبدان، فالإتساق مبدأ رئيسي فيها. وبحكم ايماني ومهنتي التي أخترت فقد ظللت مدافعاً، معرفاً، متعاوناً وناشراً الوعي بمبادئ آلية العدالة الدولية هذه. كما لا أذيعك سراً فقد سبق وأن نشرت أنني في أواخر العام 2004 عملت داعماً ومدافعاً من أجل إحالة قضية دارفور لمحكمة الجنائية الدولية في مواجهة توجهات البعض بالدفع لإستخدام المعاهدة الخاصة بالتطهير العرقي والتدخل الإنساني. سيادة الفريق مدير جهاز الأمن والمخابرات، إذا ما كان قراركم الآن هو المواجهة والإعتقال والتعذيب والتصفيات لكل متعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فالبداية المتسقة يجب أن تبدأ من داخل بيتك ونظامك المهيمن، وليس مواجهة أمثالنا من العزل. و بطبيعة الحال فأنا لا أنصحكم بالمواجهة لأنكم الخاسر الأكبر فيها.
بالطبع لا يفوت على شخصي، وعلى كل مراقب حصيف، الرسائل المتعددة التي عملتم على إرسالها عبر أعتقالي وتعذيبي وزملائي وإرهاب الآخرين بها. لكن هذه الرسائل سيادة الفريق أنتم أكثر دراية بخسرانها. فأول خسران لكم يتضح في فشل مضايقاتكم المستمرة لحرية التعبير والصحافة، بما فيها استمرار الرقابة والمضايقة والاعتقال والتحقيق مع الصحفيين(ات) المستقلين، فهذه الأفعال لا تأتي بغير العزلة وتؤكد عدم جديتكم في خير وتقدم وإنفتاح هذا البلد، حيث لا أظنه غائباً عليك سيادة الفريق أن مدى إلتزام نظامكم وحزبكم بحماية حرية التعبير والصحافة يعتبر مؤشرا هاما لقياس مدى جديتكم وصدق نواياكم في تحركاتكم الأخرى، بما فيها قضايا العدالة والسلام لدارفور. وهذا يدعوني لتناول رسالة أخرى وددتم ايصالها عبر إعتقالي وزملائي، توجهونها هذه المرة للمجتمع المدني وحركة حقوق الانسان السودانية. أسف للقول ان هذه الرسالة خائبة وخاسرة ايضاً سيادة الفريق كحال أختها تجاه حرية التعبير والصحافة. فتوقيت حملتكم الحالية، باعتقال وتعذيب ثلاثتنا بما نحمله من هويات مدافعين عن حقوق الإنسان يعرفنا بها القاصي والداني، وتحت دعاوى التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، فإنما ترمون إلي تحويل قضية المحكمة إلي مطية جديدة لاستهداف حركة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما فيها انفضاح محاولاتكم ( بتمكين) غير الأصيلين، المأجورين، والانتهازيين لشق وتكسير حركة حقوق الإنسان المستقلة. فتاريخ حركة حقوق الإنسان السودانية تعلمونه منذ نضالات الدفاع وحماية الحقوق المدنية والسياسية، مروراً بمحاصرة تاريخ جهازكم الأكثر قتامة أبان تجارب بيوت الأشباح، مروراً بالنجاحات المستمرة والمحرزة في مجال حقوق المرأة وتلك التي استهلت عملها في محاربة العنصرية، وصولاً لمقدرات حركة حقوق الإنسان هذه في الكشف عن الإنتهاكات الجسيمة لأجهزتكم الأمنية بإقليم دارفور. السيد صلاح عبدالله (قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، إعتقالنا والتحقيق معنا وتعذيبنا من قبل جهازك وجندك يعني رسالة أخرى بأنك تود أن تستمر في تسليط قانونك غير الدستوري وغير المتسق مع اتفاقيات والتزامات نظامكم المتشابكة، حيث لا يمكن الفرار هذه الإلتزامات. إن لم تخشون الخالق أو تحترمون هذا الشعب، فاخشوا على نظامكم ومؤسساتكم من هذه الشبكة، ففيها نحركم أو قبول النصح!
نصيحتي، وأظنني في مقام النصح الآن بعد رفعكم لمقامي الصغير والذي عمدت منذ زمن طويل أن يكون صغيراً دون جلبة، أو ضوضاء. إذ أنني أفضل العمل بهدوء، و أنجز ما أعتقد في صوابه. نصحيتي سيادة الفريق صلاح لا تختلف من نصح ومنهج عمل شركائكم في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي أن تتعاونوا ايجاباً مع المحكمة الجنائية الدولية. وأضيف بأن تتوافر إرادتكم لحل سياسي عادل يستجيب ويشرع عمليا في تنفيذ كافة مطالب أهل دارفور، وبمشاركة وضمانات إقليمية ودولية واضحة، وأن توقفوا عمليات نزعكم لروح مواد اتفاقية السلام الشامل والوفاء بتطبيقها، وأن تعملوا على تعديل كافة القوانين، خاصة المتعلقة بالتحول الديمقراطي، وفي قلبها القانون الذي يعمل به جهازكم وقانون الصحافة، وبما يتسق مع الدستور والمواثيق الدولية، بل والمصادقة على الاتفاقات الدولية لحقوق الأنسان والتعامل معها كقانون محلي، وأن تضمنوا عملية إنتخابية حرة ونزيهة، ليس كما تتلهفون لها الآن، حيث تفوح رائحة مؤامرتكم من أعطافكم. إنتخابات بكافة شروط نجاحها جغرافيا لتشمل كافة أنحاء البلاد، بما فيها دارفور، وأن تتملككم العزيمة وتعملوا ليل نهار في جعل الوحدة خيارا جاذبا للسودانين(ات) من جنوبه، واضعين قضية التنمية في الجنوب شأنا وأولوية قومية، مع قفل أخر بوابات الحرب بما فيها إيقاف مؤامراتكم لإثارة الفتن في الجنوب، وأن تعيدوا الحياة لمقترح الحركة الشعبية أبان مفاوضات نيفاشا والذي رفضتموه حينها بتدشين عملية قومية شاملة للعدالة الانتقالية، مستفيدة من التجارب الدولية، واضعة الإعتبار لاختلاف السياقات السودانية وطبيعة الانتهاكات والمرارت التي مرت بها - غربا، جنوبا، شرقا، شمالا ووسطا- على أن لا تتخذ هذه العملية مطية للعفو المجاني أو التمادي في ظاهرة الإفلات من العقاب، كما تستهدف التعويض ودمل جراح المظالم والاغبان التاريخية المستمرة، خاصة المتعلق منها بالعنصرية الاجتماعية و المؤسسية التي تقرح جسدنا الوطني. سيادة الفريق، هذه حزمة متشابكة مترابطة من النصح لا تحتمل، كما نقول في أدبيات حقوق الأنسان، التجزئه أوالأنتقاص.
ختاماً، سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، كان أن حاورتني هيئة الأذاعة البريطانية صبيحة اليوم الثاني لتعذيبي، ولم أكن حينها أقوى على تحريك أي عضو من جسدي دون آلام حادة بسبب ما ألحقه جندك بي من تعذيب، سألني مذيع الفترة الأخبارية، وكانت على الهواء، هل ستتقدم بشكوى رسمية ضد جهاز الأمن والمخابرات لما حاق بك من تعذيب وضرر؟ أجابتي لم تخرج من حزمة نُصحي أعلاه، وفي القلب منها كما يجب تفهم حقي الشخصي في القصاص، فماذا أنت قائل؟؟؟
عبدالمنعم الجاك
19 ديسمبر 2008
السيد صلاح عبدالله ( قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات السوداني
الموضوع: حول إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي أواخر نوفمبر 2008
أكتب لك هذه الرسالة المفتوحة، وقد جاءت متأخرة في توقيتها بسبب العلل التي أصابتني نتيجة تعذيبي من قبل من أشرف على اعتقالي واستجوابي، ومن وجههم في جهاز الأمن والمخابرات وحزبكم. هي رسالة مفتوحة وموجهة إليك شخصيا، و لكنها أيضا موجهة عبرك إلى زملائك في الجهاز، و إلى حزبكم الحاكم، المؤتمر الوطني. وهي وإن حكت تجربتي، إلا أنها تعبر عن المئات بل والآلاف ممن راعهم حادث اعتقالي وتعذيبي. فقد تم اعتقالنا، أنا وزملائي عثمان حميدة وأمير سليمان، بدعوى تعاوننا مع المحكمة الجنائية الدولية في قضيتها بدارفور، منتصف نهار الاثنين 24 نوفمبر 2008. فالآن فقط، ومنذ ومنذ ذلك الحين استجمع بعض قوتي، بتماثلي التدريجي للشفاء، لأمسك بالقلم، وأخاطبكم، وأنا أكابد آثارا وذكريات ربما لن تمكنني من أن أعود كما كنت مرة أخرى. لكن عزائي الأخير أن ما تعرضت له من قبل زبانيتكم بجهاز الأمن يتواضع ملايين المرات إزاء ما تعرض له الملايين من أهلي في جنوب وطني إبان هوسكم الأيدولوجي ونيران حروبكم وتعذيبكم آنذاك، أو ما يتعرض له أيضا الآن الملايين من أهلي بدارفور، تلكم الأرض التي قمتم بفض بكارتها قسرا بعد فقدان بوصلتكم، أو حتي ما تعرض له ألآلاف من المحبيين(ات) لهذا الوطن والعاملين لخيره وتقدمه في بيوت أشباحكم خلال حقبة التسعينات. أقول، يتواضع ما تعرضت له إزاء نكبة هذا الوطن الطيب، بنسائه ورجاله الطيبين(ات) منذ أن خيم عليه ليلكم الحالك الدامي في 30 يونيو 89.
أكتب لك هذه الرسالة السيد صلاح قوش وأنا قسراً خارج حدود قهر وبطش مؤسساتكم الحاكمة. مرة أخرى وبعد مضي أكثر من عقد من الزمن أضطر لمغادرة بلادي ارهاباً. المرة الأولي في أعقاب ما قام به من يكون حتى الآن زملاء لك في جهاز الأمن باغتيال الشهيد النابه المدافع عن حقوق زملائه الطلاب والدراس للحقوق حينها بجامعة الخرطوم، صديقي وخليفتي في قيادة رابطة طلاب مدني، الشهيد محمد عبالسلام. حين أُغتيل محمد عبدالسلام آنذاك، قبل عشر أعوام، قام زميلك الآن في الوزارة، و مدير جامعة الخرطوم حينها، وقائد هوسها المزعوم جهادا، قام الدكتور الزبير بشير طه بتحرير وتوقيع شهادة فصلي النهائي من السنة الخامسة، ومن ثم توالت ملاحقات رجالك حتي اضطررت لدق أبواب المنافي! هل تصدق أكثر من عشر سنوات مارس جهاز أمنكم التعذيب والقتل، وانتهك حقوقا لا تسقط بالتقادم: غيّب الشهيد محمد عبدالسلام، وترك أحزاناً وآلاماً. ومرة أخرى يمارس جهازكم ضدي ويدفعني خارج حدود وطني؟ ولكن هيهات! كان حكيما مولانا أبيل ألير في مقولته " التمادي في نقض المواثيق"، فأي وثيقة تحترمون وتُثقون عليها في سياقي هذا؟ فباعتقالي وتعذيبي تعلنون جهراً بأن نظاكم وحزبكم الحاكم لم ولن يتغير، فهو هو في بطشه وتعذيبه وارهابه- وإن إدعيتم التعاون في محاربة الأرهاب، وهذا شأن أخر سأعود إليه في سياق آخر- فما أشبه نظامكم بثعبان الكوبرا في تغيير جلده وبث سمه!
ربما تتساءل متعجبا متعجرفا عما أريد قوله هنا؟ وعن دوافع ومرامي رسالتي هذه؟ أقول لك سيادة الفريق، كتابتي هذه تدفعها وتحركها نزوعات شتى! منها أنني وأننا لن ننسى، كما يمكنك اعتبارها شكوى مني، إليك وعليك، وهي أيضا محاولة لإشراك من عسى يطلع على رسالتي هذه من أبناء شعبنا على تجربتي، وإسماعهم آلام التعذيب والإرهاب الذي تعرضت له على أيدي زبانيتك الملطخة بالعار والدماء، وإيصالهم الرسالة التي تريدون إرسالها لهم عبري، والمتمثلة في إرهاب القوى الحية بالبلاد، وخصوصا منظمات المجتمع المدني، وقوى التنوير والديمقراطية. ولكن، مرة أخرى، هيهات!
عندما فكرت في مخاطبتكم، تذكرت رسالة مشابهة في بداية عهدكم الغيهب، قبل نحو ثمانية عشر عاما، من قامة لها حضور ومعرفة واحترام، وهو البروفيسر فاروق محمد ابراهيم شاكياً من تعذيبه وهو في تلك المكانة العلمية العالية، وتحت اشراف زميله في الجامعة الدكتور نافع على نافع، الشخص الذي تجلس على مقعده الأن بجهاز الأمن وزميلك في الوزارة. أوليس مستغرباً لديك أن شخصين وحدثين تفصل بينها ثمانية عشر عاماً من التعذيب والتنكيل المستمر، وإن اختلفت القضايا، يسطران ذات الرسالة؟ ثمة شي غير مستقيم البتة سيد صلاح! نهركم لاتجري مياهه، رغم إتفاقاتكم، فهو بركة آسنة تتغير فقط أدوار وأوجه طحالبها! لذا تأتي رسالتي المفتوحة هذه محاولة تحريك ركود تلك البركة التي ظلت و لعقدين من الزمان تهتاج تحت مياهها أعمال المؤامرات والتعذيب والتصفيات. كتابتي لك هي لعرض القضايا وموضوعات التحقيق معي على الملاء، بما فيها بعض من ملامح ومشاهد تعذيبي، فهي لا تخصني وحدي،حتى أسكت عليها رهبة أو رغبة، فهنالك الآلاف كما تدري. هي رسالة أعتبرها فرصة نادرة أيضاً للتعبير عن شكري وتقديري ومحبتي اللامحدودة لأسرتيّ الصغيرة والكبيرة، لأصدقائي وصديقاتي، زملائي وزميلاتي، و آخرون غيرهم بالمئات لم أتشرف بمعرفتهم أو يعرفونني في شخصي، و أفراد كُثر فقدت التواصل معهم(ن) لسنوات ، بالاضافة لمؤسسات ومنظمات وأحزاب وأفراد من مختلف أنحاء العالم. ففي الوقت الذي كان فيه جلادوك منهمكين في هتك كرامتي وانسانيتي و وجسدي وخصوصيتي، بما فيها الحجز على عربتي لعدد من الأيام والإستيلاء على على كمبيوتري الشخصي، في الوقت الذي جلادوك منهمكين في تعذيبنا كان الكثير من هؤلاء المتضامنيين معي وزملائي عثمان وأمير، كانوا يسكبون الدمع ويعبرون عن الألم مثلما كانوا يسودّون الورق مطالبة باطلاق سراحي وزملائي، في مظاهرة إنسانية رائعة تبعث على التفاؤل والثقة في البشر. فقد ظل هم هؤلاء حتي بعد خروجي من أوكار تعذيبكم يطببون جسدي ويوفرون الحماية والماء والطمأنينة لي حتي مقامي الحالي. لا ينتظرون شكراً مني بالطبع، لكن دعني أقول ألا يستحق هؤلاء الشرفاء رسالة مثل هذه تعلي وتقدر من إنسانيتهم مثلما تبرز من حيوانيتكم؟ رسالة تهدهد على قلوبهم(ن) وعقولهم(ن) وضمائرهم(ن) الصافية الصاحية في مواجهة كل ما هو ضد الكرامة والعدالة والقانون. رجالك سيدي مدير جهاز الأمن انتهكوا كرامتي وجسدي، مثلما أوغلوا في تضييع العدالة والقانون الضائعيين منذ قدومكم في 89. لذا، تجدني أُسطر هذه الرسالة لأطلع الرأي العام على بعض ملابسات اعتقالاتي وتعذيبي... فكما ذكرت هذا حقٌ وواجبٌ على.
أسمح لي سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش) أن أسجل وأعكس فيما تبقى من رسالتي لك بعض من الملاحظات والدروس التي خرجت بها من وكر التعذيب، فضلا عن قناعاتي في القضايا التي حُقق فيها معي، علها تفيد وتنور وتعظ، وأوجزها في نقطتين وخاتمة لهذه الرسالة:
أولا: حول إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي: دعني أستهل هذا الجزء سيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات بمقارنة تثقيفية تعليمية بين ممارسات جندك في اعتقالي وتعذيبي وما تعمل به المحكمة الجنائية الدولية، التي زعمتم خلال التحقيق أننا نتعاون معها. يقول النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما) في مادته 55 حول حقوق المتهمين (أ) "لا يجوز إجبار الشخص على تجريم نفسه أو الأعتراف بأنه مذنب، كما (ب) لا يجوز إخضاع الشخص لأي شكل من أشكال القسر أو الإكراه أو التهديد، ولا يجوز إخضاعه للتعذيب أو لأي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة". لا أحتاج للقول أن ما قام به جندك خلال إعتقالي وتعذيبي والتحقيق معي يناقض كل مفردة وحرف في هذه المادة من نظام روما، والذي قصدت بالطبع الإتيان به. والآن أتمني أن أكون قد طمأنت نظامك الحاكم والمتهمين وأشباه المتهمين فيه بأن التعاون مع محكمة الجزاء الدولية سيحفظ لهم كرامتهم الشخصية وحرمة جسدهم، ولن يطالكم مثقال ذرة مما طالني علة أيديكم من إرهاب وتعذيب وسوء معاملة. فعن أي سيادة وكرامة وشرف تتحدثون؟ هل تعلم، أو بالأخرى هل شاهدت صور تعذيبي؟ إن ضابطك المسؤول عن تعذيبي سألني ساخراً مستهزئاً، ومتوعداً في الوقت نفسه، عن الدماء بوجهي وأرجلي وقميصي ويدي اليسري التي لم أكن أشعر بها فقط أرى ضخامة تورمه؟ و أجاب على تساؤله قائلاً أن أثار الضرب على جسدي بسبب سُكري ومشاجرتي مع مخمورين آخريين! وهو الذي كان يوجه أوامره لجنده الأربع في تلك الغرفة الضيقة، بالطابق الثالث، محدداً مناطق جسدي للتعذيب ووسيلة ضربهم لي، وسكبه للماء على رأسي، بل حتي ركله لوجهي بحذائه وتوجيه سيجارته نحو عيني مهددا بثقبها. ضابطك هذا، اثناء توجيهاته بتعذيبي وإرهابي بعلاقتي بالمحكمة الجنائية الدولية، قد أكد لي من أنه ليس هناك من قاع لا يمكن أن تصلون إليه في الانحطاط، حينما أمر جنده باغتصابي. ليرد عليه أحدهم بلغة وقحة تصفني بأنني ( لوطي) و أن ممارسة الجنس معه ستسعد!. فبالله أخبرني هل تجنيت عليكم إذ وصفتكم بالانحطاط؟. كنتم تحاولون نزع إعتراف مني بجرائم لا توجد إلا في أوهامكم المرتبكة وإستخباراتكم معطوبة الخيال والمهارة والتحليل.
لكن دعني الأن سيادة المدير العام لجهاز الأمن من وصف ملابسات إعتقالي ، ودعني أنتقل وأركز على لأمر آخر أراه أكثر أهمية. فملابسات إعتقالي وتعذيبي فتحت ذهني لملاحظتين كنت قد سمعت إشاعات حولهما قبل زيارتي الحالية لدار شركم. الأولى أن عناصركم الأمنية المسؤولة عن عمليات التعذيب تعاني من إنفصام الشخصية. فالشخص الذي أفرط في تعذيبي والبطش بي تحول في ثوانٍ إلى شخص آخر يقدم لي الماء، ويسألني إن كنت مرتاحاً في جلستي، بل يمضي أكثر من ذلك فيعتذر لي، مبديا تأسفه عما حاق بي من ضرب. فأنا لا أفهم استخدام "معليش"، ذلك الاختراع السوداني، في ذلك السياق، وفي ذلك الوكر. هل تعلم أن أحد جندك طلب من زملائي في المعتقل توصيل تحياته واعتذاره لي، وأنه ينوي وأسرته معاودتي للزيارة والكفارة والاطمئنان على صحتي؟! أي جنون وفقدان إتزان هذا الذي تديرون به هذه البلاد المنكوبة؟ فطيرة بالطبع هذه الوسيلة الرسالة أو الصورة العبثية التي تودون إيصالها. أما ملاحظتي الثانية والمدعومة بإشاعة قوية بالمدينة، وأرجو تصحيحها سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش) هي أن الإثنية والعرقية أصبحت من مرجعيات الإنتماء لجهاز الأمن والمخابرات والإرتقاء فيه. أذكر خلال الهجوم على أم درمان في العاشر من مايو الماضي أن عملت في هيئة وطنية لحماية المتأثرين(ات) بتلك الأحداث من أبناء وبنات دارفور، خاصة أن أذرعكم الأمنية التي جُن جُنونها كانت تبطش بكل من يحمل شبهة السحنة الدارفورية الأفريقية. راعتني آثار التعذيب فيهم و عندما أتذكرها الآن تتضاءل عشرات المرات آثار التعذيب بجسدي، الحامل لشبهة السحنة الشمالية العربية، مع ظني أن الموجه والمشرف على التعذيب واحد، ومع تشابه الاتهامات ضدنا: "الهجوم على عاصمة البلاد" في الحالة الأولى، و"تقديم معلومات ضد سيادة البلاد" في حالتنا، وفي ظل قاسم مشترك هو دارفور! ألهذه الدرجة أصبحت دارفور بعباً لكم؟ أتذكر هذه الملاحظة سيادة الفريق مشفوعة بشبهة العرقية- العنصرية في أجهزتكم الأمنية، فعملية إعتقالي وإستجوابي وتعذيبي شارك فيها نحو سبعة عناصر من جهازكم، إثنان منهم كان واضحاً توليهما الإشراف والتوجيه وإصدار الأوامر والتحقيق الشفاهي. هذان من أصحاب الياقات البيضاء كما نصنفهم في العلوم الاجتماعية، وكليهما يحمل سحنة أبناء الشمالية. أما بقية تلك المجموعة، أي الجنود الخمسة، والذين إنحصرت مهامهم في تنفيذ أوامر الضرب والتعذيب والأرهاب، فتبدو عليهم الملامح الأفريقية، أي أنهم على الأرجح ليسو من الشمالية. عذراً سيادة الفريق مدير جهاز الأمن، الملاحظة والتحليل الثقافي هما تخصصي العلمي في الأنثروبولوجيا، وكان موضوع سخرية لجندك هذا التخصص بالمناسبة لجهلهم به حسب تقديري. لذلك يأتي تفصيلي في هذه الجزئية، والتي قد تصلح موضوع لبحث شيق حول ما يمكن تسميته السياسات العرقية للتعذيب في السودان The ‘Race’ilisation of Politics of Torture in Sudan!
ثانيا: حول المحكمة الجنائية الدولية: أشكرك سيادك، الفريق صلاح عبدالله (قوش)، لصبرك في قراءة هذه الرسالة المطولة. ولكني أردتها هكذا لما في ثناياها من تفاصيل ومفاصل ذات أهمية، أظنها، للكثيرين ممن يطلعون عليها الآن معك، فضلا لما أردت التشديد عليه من قضايا أوردتها هنا ما كانت لترى حظها من النور لولا ملابسات اعتقالي واستجوابي وتعذيبي بصحبة زملاء مهنتي أمير سليمان وعثمان حميدة. لن أستطرد في نقطتي الثانية، قبل خاتمة رسالتي هذه، حول تفاصيل تحقيقكم معي حول مزاعم علاقتي بالمحكمة الجنائية الدولية وتعاوني معها في تزويدها بوثائق ومعلومات وطلبكم مني تحت العذيب بتقديم هذه المعلومات. لن أستطرد في هذه الأوهام كما قلت، بما فيها اتهامات العمالة والجاسوسية والخيانة، والتي ظل جندك في جهاز الأمن يرموني بها تحت السب والضرب. فقد كانت كل أساليب إستجوابهم دون مستوى القضية موضوع التحقيق، واسمح لي أن أنعت ذلك الاستجواب بالغباء، و تلك الأسئلة بالركيكة. أسئلة من لا يعرف عما يسأل عنه، وجهل فاضح لكنه يملك سلاحا. و أعجب ما فيه ذلكم الضابط المتنطع، و المتدثر بعباءة المفكر. دعني أعطيك جرعة من فكره الثاقب: " أن ما يحدث في دارفور هو جزء من المؤامرة الصهيونية ضدنا... وبرتكولات حكماء صهيون تؤكد ذلك". معقولة لكن؟ مئات الآلاف من الضحايا والآف النساء المغتصبات، والمذنبون هم الصهاينة، وشماعة المؤامرة الخارجية!. أما الآخرون، فقد كان دليلهم لتثبيت تهمة عمالتي للغرب ثلاثمائة دولار وجدوها بمفحظتي. فيا ترى كم من ملايين الدولارات تملكون؟ ولماذا لا تثبت عمالتكم للغرب. آي بؤس هذا! لقد اتضح لي بما لا يقبل الشك أن المحكمة الجنائية تهز أركان نظامكم هزا، وتمزقكم شر ممزق. وأنتم لا تدرون أتتعاونون أم تواجهون. سأستغل هذه السانحة سيادة الفريق مرة أخرى لجهد التثقيف ورفع الوعي والتحليل لقضايا حقوق الإنسان و التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية، فهذه مهنتي قبل وأثناء وبعد اعتقالي، وسأستمر فيها ما رغبت في الدفاع عن حقوق الإنسان. وأشكرك في هذا السياق حيث أتوقع قُراء كثر لهذه الرسالة، فقد سبق أن كتبت كثيراً حول هذه المحكمة، و حول حقوق الإنسان، و حول دارفور، و معظم هذه الكتابات لم تجد حظها من النشر بسبب جندك الآخرين في قسم الرقابة على الصحف ومحاربة حرية التعبير.
أستغرب في البدء إرتباك نظامكم في قضيةٍ واضحةٍ كالشمس في رابعة النهار كما يقولون. إرتباككم أصبح بينا بالنسبة لي بعد ملابسات إعتقالي. أنت أكثر من يعلم بأن المحاسبة والعدالة هي بمثابة القلب لإعادة ضخ الحياة في إقليم دارفور، لكن سياسة البحث عن مبادرات الغاية منها كسب الوقت لن تأتيكم إلا بخسران مبين، وذلك عندما يصل "الكضاب لخشم الباب". حقيقة أستغرب فوضى تعاملكم مع قضية المحاسبة والعدالة هذه. فمنذ 2004 كان واضحاً لكم في المؤتمر الوطني مركزية قضية المحاسبة، فبعثتم بلجنة وطنية لتقصي الحقائق لدارفور، وشكلتم محاكم خاصة وعينتم مدعي عام خاص بدارفور أكثر من مرة، ولكن في كل الحالات لم يكن جهدكم مخلصا، ولعلكم تظنون أن بإمكانكم خداع كل الناس كل الوقت. إن ارتباككم بيّنٌ ومفضوح، فحكومتكم لم تنكر أن جرائم حدثت في دارفور، ولكنها تغالط في عدد الموتى بصورة تفتقر لللياقة واللباقة والحساسية الإنسانية والسياسية. زملائك، بمن فيهم رأس الدولة، إعترفتم بعشرة آلاف من الضحايا بدارفور. فهل تعلمون أن عدد القتلى الذين انعقدت من أجلهم محاكم جرائم الحرب في البوسنة لا يصلون هذا الرقم. آي منطق خارج السياق خارج الحساسية لا يعي مفهوم ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية في القانون الدولي الأنساني وقانون حقوق الأنسان! أما الدليل الآخر على ارتباككم، فهو تعاونكم مع البعثة الأممية لتقصي الحقائق في 2004، والتي سعدتم سعادة مكتومة حينما برأتكم من جريمة التطهير العرقي. ثم موقفكم المرتبك من القرار 1593 الخاص باحالة الأوضاع بدارفور للمحكمة الجنائية الدولية، ثم تعاونكم بعدها مع ذات محكمة الجزاء الدولية في 2005 بمقابلتها وتسليمها وثائق، بل والسماح لها باستجواب بعض مسؤوليكم. حقيقة الأمر سيادة الفريق صلاح عبدالله (قوش) أن تعاونكم أكبر من ذلك، بل أكبر من تعذيب وإتهام مواطنين ثلاثة عزل بإرهابهم ومحاولة إرهاب الملايين من خلالهم، فقد كنتم وإلي وقت قريب جزءاً من هذه المحكمة الدولية بتوقيعكم على نظامها الأساسي في 8 سبتمبر 2000، وبإبرامكم إتفاقيات تعاون دولية لإنفاذ قراراتها، بل ومشاركتكم في اجتماعات الجمعية العمومية للدول الأعضاء، كمراقبين، حتى عام 2006. سيادة المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، إن الموقف من محكمة الجزاء الدولي يجب أن يكون متسقاً، فهي مبادئ ونظام وآليات أنجزتها البشرية لخيرها، وللحد من جرائم تقشعر لها القلوب والأبدان، فالإتساق مبدأ رئيسي فيها. وبحكم ايماني ومهنتي التي أخترت فقد ظللت مدافعاً، معرفاً، متعاوناً وناشراً الوعي بمبادئ آلية العدالة الدولية هذه. كما لا أذيعك سراً فقد سبق وأن نشرت أنني في أواخر العام 2004 عملت داعماً ومدافعاً من أجل إحالة قضية دارفور لمحكمة الجنائية الدولية في مواجهة توجهات البعض بالدفع لإستخدام المعاهدة الخاصة بالتطهير العرقي والتدخل الإنساني. سيادة الفريق مدير جهاز الأمن والمخابرات، إذا ما كان قراركم الآن هو المواجهة والإعتقال والتعذيب والتصفيات لكل متعاون مع المحكمة الجنائية الدولية فالبداية المتسقة يجب أن تبدأ من داخل بيتك ونظامك المهيمن، وليس مواجهة أمثالنا من العزل. و بطبيعة الحال فأنا لا أنصحكم بالمواجهة لأنكم الخاسر الأكبر فيها.
بالطبع لا يفوت على شخصي، وعلى كل مراقب حصيف، الرسائل المتعددة التي عملتم على إرسالها عبر أعتقالي وتعذيبي وزملائي وإرهاب الآخرين بها. لكن هذه الرسائل سيادة الفريق أنتم أكثر دراية بخسرانها. فأول خسران لكم يتضح في فشل مضايقاتكم المستمرة لحرية التعبير والصحافة، بما فيها استمرار الرقابة والمضايقة والاعتقال والتحقيق مع الصحفيين(ات) المستقلين، فهذه الأفعال لا تأتي بغير العزلة وتؤكد عدم جديتكم في خير وتقدم وإنفتاح هذا البلد، حيث لا أظنه غائباً عليك سيادة الفريق أن مدى إلتزام نظامكم وحزبكم بحماية حرية التعبير والصحافة يعتبر مؤشرا هاما لقياس مدى جديتكم وصدق نواياكم في تحركاتكم الأخرى، بما فيها قضايا العدالة والسلام لدارفور. وهذا يدعوني لتناول رسالة أخرى وددتم ايصالها عبر إعتقالي وزملائي، توجهونها هذه المرة للمجتمع المدني وحركة حقوق الانسان السودانية. أسف للقول ان هذه الرسالة خائبة وخاسرة ايضاً سيادة الفريق كحال أختها تجاه حرية التعبير والصحافة. فتوقيت حملتكم الحالية، باعتقال وتعذيب ثلاثتنا بما نحمله من هويات مدافعين عن حقوق الإنسان يعرفنا بها القاصي والداني، وتحت دعاوى التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، فإنما ترمون إلي تحويل قضية المحكمة إلي مطية جديدة لاستهداف حركة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما فيها انفضاح محاولاتكم ( بتمكين) غير الأصيلين، المأجورين، والانتهازيين لشق وتكسير حركة حقوق الإنسان المستقلة. فتاريخ حركة حقوق الإنسان السودانية تعلمونه منذ نضالات الدفاع وحماية الحقوق المدنية والسياسية، مروراً بمحاصرة تاريخ جهازكم الأكثر قتامة أبان تجارب بيوت الأشباح، مروراً بالنجاحات المستمرة والمحرزة في مجال حقوق المرأة وتلك التي استهلت عملها في محاربة العنصرية، وصولاً لمقدرات حركة حقوق الإنسان هذه في الكشف عن الإنتهاكات الجسيمة لأجهزتكم الأمنية بإقليم دارفور. السيد صلاح عبدالله (قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، إعتقالنا والتحقيق معنا وتعذيبنا من قبل جهازك وجندك يعني رسالة أخرى بأنك تود أن تستمر في تسليط قانونك غير الدستوري وغير المتسق مع اتفاقيات والتزامات نظامكم المتشابكة، حيث لا يمكن الفرار هذه الإلتزامات. إن لم تخشون الخالق أو تحترمون هذا الشعب، فاخشوا على نظامكم ومؤسساتكم من هذه الشبكة، ففيها نحركم أو قبول النصح!
نصيحتي، وأظنني في مقام النصح الآن بعد رفعكم لمقامي الصغير والذي عمدت منذ زمن طويل أن يكون صغيراً دون جلبة، أو ضوضاء. إذ أنني أفضل العمل بهدوء، و أنجز ما أعتقد في صوابه. نصحيتي سيادة الفريق صلاح لا تختلف من نصح ومنهج عمل شركائكم في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهي أن تتعاونوا ايجاباً مع المحكمة الجنائية الدولية. وأضيف بأن تتوافر إرادتكم لحل سياسي عادل يستجيب ويشرع عمليا في تنفيذ كافة مطالب أهل دارفور، وبمشاركة وضمانات إقليمية ودولية واضحة، وأن توقفوا عمليات نزعكم لروح مواد اتفاقية السلام الشامل والوفاء بتطبيقها، وأن تعملوا على تعديل كافة القوانين، خاصة المتعلقة بالتحول الديمقراطي، وفي قلبها القانون الذي يعمل به جهازكم وقانون الصحافة، وبما يتسق مع الدستور والمواثيق الدولية، بل والمصادقة على الاتفاقات الدولية لحقوق الأنسان والتعامل معها كقانون محلي، وأن تضمنوا عملية إنتخابية حرة ونزيهة، ليس كما تتلهفون لها الآن، حيث تفوح رائحة مؤامرتكم من أعطافكم. إنتخابات بكافة شروط نجاحها جغرافيا لتشمل كافة أنحاء البلاد، بما فيها دارفور، وأن تتملككم العزيمة وتعملوا ليل نهار في جعل الوحدة خيارا جاذبا للسودانين(ات) من جنوبه، واضعين قضية التنمية في الجنوب شأنا وأولوية قومية، مع قفل أخر بوابات الحرب بما فيها إيقاف مؤامراتكم لإثارة الفتن في الجنوب، وأن تعيدوا الحياة لمقترح الحركة الشعبية أبان مفاوضات نيفاشا والذي رفضتموه حينها بتدشين عملية قومية شاملة للعدالة الانتقالية، مستفيدة من التجارب الدولية، واضعة الإعتبار لاختلاف السياقات السودانية وطبيعة الانتهاكات والمرارت التي مرت بها - غربا، جنوبا، شرقا، شمالا ووسطا- على أن لا تتخذ هذه العملية مطية للعفو المجاني أو التمادي في ظاهرة الإفلات من العقاب، كما تستهدف التعويض ودمل جراح المظالم والاغبان التاريخية المستمرة، خاصة المتعلق منها بالعنصرية الاجتماعية و المؤسسية التي تقرح جسدنا الوطني. سيادة الفريق، هذه حزمة متشابكة مترابطة من النصح لا تحتمل، كما نقول في أدبيات حقوق الأنسان، التجزئه أوالأنتقاص.
ختاماً، سيادة الفريق صلاح عبدالله ( قوش)، المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، كان أن حاورتني هيئة الأذاعة البريطانية صبيحة اليوم الثاني لتعذيبي، ولم أكن حينها أقوى على تحريك أي عضو من جسدي دون آلام حادة بسبب ما ألحقه جندك بي من تعذيب، سألني مذيع الفترة الأخبارية، وكانت على الهواء، هل ستتقدم بشكوى رسمية ضد جهاز الأمن والمخابرات لما حاق بك من تعذيب وضرر؟ أجابتي لم تخرج من حزمة نُصحي أعلاه، وفي القلب منها كما يجب تفهم حقي الشخصي في القصاص، فماذا أنت قائل؟؟؟
عبدالمنعم الجاك
No comments:
Post a Comment